ما هو الحب غير المشروط؟ هذا ما تحتاجه معرفته
إنّ التقبّل الذي لا حدود له في العلاقات العاطفية. أو بما يُعرف الحب غير المشروط يكون غالبًا هناك صورة ثابتة ونمطية عنه بين الناس. ألا وهي أنه الحب الذي لا يفرض على الآخر أي نوع من الشروط في العلاقة ويتقبّله كما هو دون زيادةٍ أو نقصان. لكن هذه الدلالات ليست جيدة في الكثير من الأحيان، خاصةً إن كانت العلاقة العاطفية تسير نحو الزواج. لذلك لنتابع معًا ونوسع مداركنا المعرفية حول هذا الموضوع في مقالنا اليوم.
المفهوم العام للحب غير المشروط
تقول دراسات علم النفس أنَّ مفهوم أو شعار “الحب غير المشروط” هو انتهاكٌ للعلاقة واستهلاكٌ لأحد الأطراف. ومن الممكن أن يعتبر صيغة ثابتة لتبرير ما يحدث من أخطاء كبيرة وصغيرة تكون صادرة من الشخص بحقِّ شريكه. مثل قلة الاحترام والعصبية أو العنف والضرب. أو التجاهل واللامبالاة والكذب وحتى الخيانة وغيرها من الأمور السيئة، حيث أنَّ المشكلة الأساسية تكمن في الفكرة المزروعة بداخل عقولنا حول هذا الأمر. فغالبًا تكون أن نتقبّل الآخر كيفما كان وبالطريقة التي يعاملنا بها بحجة أنها مجرد عيوب شخصية. والحب أقوى منها ومن الممكن مع مرور الوقت أن يغيّر الشريك طبعه.
ولكن علماء النفس أكدّوا عند الوصول لحدٍّ معين من الأخذ والتحمّل تبدأ الأنانية تظهر في ساحة العلاقة الآمنة. كما تجعلها تبهت حتى تختفي. فمثلًا هنالك أشخاص لا تريد تغيير نفسها بكل العلل الكامنة فيها وتريد من الآخر حتى وإن كان يموت ببطء نفسيًا إلا أنه يجب عليه أن يتحمّل طالما اختار حبهم.
لكن لتعلموا أنَّ نهاية الأمر سيكون خيبة وخذلان يودي بصحتنا النفسية والعاطفية نحو الهلاك. وفي كتاب “فن الحب” للكاتب “إيريك فروم”، أكدَّ أنَّ هذا النوع من الحب لا يمكن أن يأتي سوى من الأم التي تكون سوية النفسية وتكون فطرتها طاغية على أنثوتها. وباقي ما تبقى حتّى حب الأب فهو يأتي بالتدريجي وبناءً على التشارك بينه وبين الأبناء بالمصالح سواء أكانت سلبية أم إيجابية. وهنالك خطأ فكري وضمني أيضًا لهذا الشعار المغلوط ألا وهو أنه يجب على الشخص الذي يحبنا أن يقوم بتلبية كل احتياجاتنا دون تذمر أو رفض. ولكن هذا النوع تحديدًا من التفكير يدل على أننا في علاقة مع شخص سام يستهلك كياننا ومشاعرنا.
اقرأ أيضاً:
الصواب بالحب غير المشروط
الاعتماد الأكبر على نقطة الصواب في التعامل مع الحب غير المشروط يكمن بالتركيز على برمجة عقل الشخص منذ أن كان طفلًا صغيرًا. حيث أنه يجب علينا تعليم أطفالنا أننا في بعض الأحيان لا يمكننا تقديم الحب الدائم لهم. وهذا لا يعني إطلاقًا بأننا لا نحبهم، بل على العكس تمامًا. لأننا نحبهم نحن حقيقيون أمامهم. ومع مرور الوقت ستتكون بداخلهم فكرة الحب الناضج وعندما يكبرون سيكونون قادرين على تحمّل مسؤولية العلاقات العاطفية بحيث تكون آمنة للطرفين. ولكن بالنسبة إلى الوقت الراهن فيمكنكم اتّباع التعليمات التالية لتعرفوا كيفية توجيه العلاقة لتكون سليمة إن لم تريدوا وضع نهاية لها، وهي على النحو التالي:
إعادة تشكيل علاقة ناضجة
هنالك ارتباطٌ وثيق ما بين فكرة الحب غير المشروط وتلاشي الخطوط الحمراء بين الطرفين. حيث أنَّ هنالك شخصٌ يمنح والآخر يتلقى فقط دون عطاءٍ متبادل. وبالتالي هذا يعني بأنه شريك أناني جدًا وسيجعلنا نصل إلى نقطة الاستهلاك وبالمقابل يكون داخله مملوءًا بالحب. فهنا يصبح أمامنا مفترق طريقان، إمّا مصارحة الشريك في حال كان هنالك قابلية للتفهم والوعي عنده لمعالجة هذه المشكلة والبدء من جديد. وإمًا الانفصال عنه تمامًا قبل أن يفوت الأوان وتتسمم حياتنا كلها.
الحب ليس الأنانية بل تبادل
من المهم جدًا أن يكون هذا هو شعارنا الأساسي والحقيقي للحب. لأنه في حقيقة الأمر أنّ الحبّ الطبيعي والناضج والصحي لا يجعلنا نلتفت لتوافه الأمور والتصرفات العفوية. فمثلًا من الطبيعي جدًا ألّا نكون على مدار العمر كله نلبّي احتياجات الطرف الآخر بكلّ هدوءٍ ورضا وسعادة.
ومن الطبيعي جدًا أن تعبر من فوق روحنا فترات معينة نكون فيها غير قادرين على رفع رأسنا لنرفع طاقة الحب في هذه العلاقة أو نقدّمه للشريك. ومن الطبيعي جدًا أن ننسى أمورًا مهمة تخص الآخر وألّا نهتم به أو بما يتعلق به باستمرار. يجب علينا فعلًا أن نكون مدركين وواعيين تمامًا باختيار الشخص الذي سنكون معه ولأي مدى يمتلك وعيًا بالعلاقات كي يتحمّل فصولها وتقلباتها.
الوعي بالمصالح
يجب علينا أن نكون واقعيين في هذا الزمن الّذي كثر فيه التصنع والتقليد. حيث أنَّ الواقع والوعي يعترف بوجود الحب. لكن ليس ذلك الحب الذي يحفروه بأذهننا عن طريق الإعلام والمسلسلات ومواقع التواصل الاجتماعي والكثير من الأغاني والروايات. بل يوجد هنالك نزعة نفسية تدفعنا للخوض في أي علاقة عاطفية ألا وهي وجود مصلحة معينة، ففكرة أن نحب أحدهم لأنه يجعلنا سعداء وآمنين هذه مصلحة. أو أي سبب يدفعنا للحب هذا يعني مصلحة والاعتراف بذلك ليس بالأمر السيئ الذي يعتقده الجميع. حيث أنَّ علماء النفس حديثًا أكدّوا أنَّ هنالك جانب إيجابي للمصالح وهي بمعنى التبادل بين الطرفين لتسير العلاقة بطريقةٍ صحيحة وآمنة. فكلما قمنا بتقديم الحب لأحدهم يوجد باللاوعي عندنا تصوّر بأن ننتظر الحب منه.
الحب الحقيقي
بعد كل ما ذكرناه سابقًا يمكننا أن نشرح لكم الحب الحقيقي في هذه الحياة. حيث أنه يمنحنا الشعور بالسعادة والسلام الداخلي عندما يكون نابعًا من الطرفين، ويعلّمنا معنى الصبر والتفاني لتحقيق مرادنا والانتظار للحصول على شيء معين. وكيف نتعامل مع أحلامنا وطموحاتنا والآخرين ونكون واقعيين بطريقةٍ لطيفة. بحيث لا ننفي وجود العقل أو العاطفة، ويجعلنا نحافظ على ذاتنا بل ويعزز الحب الموجود بداخلنا.
فكما قال الفيلسوف الشهير أفلاطون “الحب يقبع بداخل المحبوب لا المحب”. كما أنّ الحب الحقيقي يجعلنا نعطي دون التفكير بالتوقعات. فالطرفان يثقان ببعضهما بعضًا، مثالًا على ذلك أنه من الطبيعي جدًا إن أطعم أحدهما شريكه. فالآخر سيبادر بنفس التصرف أو من الممكن أكثر ليعزز الشعور والذكرة في قلبهما.
وفي ختام المقال، نتمنى أن تكونوا قد عرفتم معنى الحب الحقيقي فهو بعيدٌ كلَّ البعد عن الحب غير المشروط. فالحب الحقيقي يرفع من شأن الإنسان ويقوي الروابط النفسية والعاطفية بين الطرفين على عكس الحب الآخر. لذلك كونوا واعيين بما يكفي لتعرفوا كيفية اختياركم، فعلى الأقل يكون الحب هو الذي ينجينا من مصاعب الحياة.