ما هو الجوع العاطفي؟ كيف يحصل؟ وكيف تعالجه؟
يختلف الجوع العاطفي عن الجوع الجسدي باختلاف غايته. حيث هناك بعض الأشخاص يتناولون الطعام مرةً لأجل الجوع الجسدي. ومرةً أخرى لأجل إرضاء الجوع العاطفي النابع عن توتر وقلق وإحباط ويأس ومن الممكن غضب وغيرها من المشاعر التي تسكن بداخل الإنسان. وفي هذا المقال سنتعرّف معًا على هذا المصطلح الغريب فهو موجود في حياتنا بصورةٍ مستمرة. فتابعوا معنا.
ما هو الجوع العاطفي
يولد الجوع العاطفي نتيجة اضطرابات نفسية شائعة تصيب الإنسان خلال رحلة حياته المملوءة بالتناقضات الشعورية. حيث أنّ هنالك بعض الأشخاص في أثناء مرورهم بحالة نفسية معينة يعتقدون أنّ تخفيف أو علاج هذه الحالة هو الإكثار من تناول الطعام. أو حتّى من الممكن ألا تكون حالة واحدة فقط بل تكون مجموعة من الحالات النفسية المختلفة التي يصبح بها المرء يتناول كمية ضخمة من الأطعمة المتنوعة. مثل الآيس كريم والحلويات وأنواع لحوم كثيرة.
وذلك لأجل سد فجوات الحاجة العاطفية التي يعيشها. فمن الممكن أن يكون هذا الشخص غارقًا في حالة حزن أو اكتئاب، ومن الممكن أيضًا أن يكون قد أصابه إحباطًا شديدً ورافقه اليأس والألم. وقد رجحت الدراسات النفسية أنّ الشعور بالسعادة المفرطة أو أي شعور إيجابي ضخم أيضًا يسبب الجوع العاطفي. ومع الأسف، إنّ هذا الأمر يكون حلًا آنيًا، أو كما يقال. تخدير مؤقت، لأنه بعد دقائق قليلة من الإقدام على هذا الفعل يشعر المرء بذنب إفراطه في تناول الطعام. ومن الممكن أيضًا أن يسبب له اضطرابات صحية وآلام في المعدة.
آلية حدوث الجوع العاطفي
من الجدير بالذكر أنّ تناول الطعام بشراهة وكثرة وعلى وجه الخصوص الوجبات السريعة في المناسبات والاحتفالات لا يعد أمرًا سيئًا. بل هو جيدٌ وبشدّة خاصةً إن كان السبب يعود لمكافئة الشخص نفسه. لكن الأمر يتحول نحو منحى سيء عندما يصبح تناول الطعام لأجل التأقلم على وضع معين أو الهرب منه أو التأثر بحادثة ما قد وقعت، فمثلًا يبدأ الموضوع بولادة حزن جديد نابع عن موقف ما تعرّض له الشخص في حياته. وبعدها لا يجد أي شيء يفرّغ فيه طاقته الداخلية المتأججة بالسلبية.
فيلجأ إلى الأطعمة للهرب من الوحدة والملل والتوتر والانزعاج القابع بداخله. وحقيقةً لا يمكن نفي أنّ الطعام يخفف من حدّة الحالة الشعورية التي يعيشها الإنسان. ولكن ما إن ينتهي حتى تعود المشاعر السلبية الضارة وتبقى راسخة في النفس على حالها. والمشكلة لا تتوقف فقط هنا، بل تجعل الشخص خمولًا وكسولًا سواء من الناحية الجسدية أو حتى النفسية. حيث يصبح عقله متوقفًا تمامًا بالبحث عن أي حل لما يحدث معه. بل وفي بعض الأحيان يوجد هنالك أشخاص يعتقدون أنّ ما يحدث معهم من جوعٍ عاطفي هو أمر طبيعي جدًا ولا داعي للقيام بأي شيء آخر.
الفرق بين الجوع العاطفي والجوع الجسدي
قام مجموعة من علماء النفس بتوضيح الفرق ما بين الجوع العاطفي والجوع الحقيقي. وعلى الرغم من أنّ إثبات هذا الأمر قد احتاج وقتًا طويلًا. إلا أنهم استطاعوا تحديد تلك النقاط والتي سنقدمها إليكم الآن على النحو التالي:
الجوع الفوري
يكون الجوع العاطفي فوريًا ويجتاح المرء رغبة عارمة بتناول الطعام فجأة ودون أي سابق إنذار يصبح يلتهم كل شيء يخرج أمامه حتى وإن لم يكن يحبه. في حين أنّ الجوع الحقيقي أو ما يُعرف بالجوع الجسدي يأتي تدريجيًا وعلى مراحل عدّة خلال اليوم. ويمكن للإنسان أن يتحكم به أو يقوم بتأخيره بسهولة مطلقة مقارنةً مع الجوع العاطفي.
اشتهاء الطعام
الشخص الذي يعيش حالة أو لنقل اضطراب الجوع العاطفي هو فعليًا غير قادر أبدًا على كبح جماح شهوته تجاه الطعام. فتجده دائمًا يتضور جوعًا ولا يرتاح أبدًا بمضغ الأطعمة ولا يريح معدته. وحتى ولو كان قد تناول قبل قليل إلا أنه لا يملك أي مشكلة بإعادة تناول وليمة جديدة دون أي تفكير. حتى إنه في بعض الحالات يكون الشخص غير واعي لما يحدث معه وبالتالي يأكل كميات كبيرة لكن دون أن يدرك. على عكس الجائع الطبيعي. حيث أنه يصل لمرحلة معينة من تناول الطعام ويشعر بالتخمة ولا يمكن أن يتناول أي شيء إلا بعد مرور ساعات عدّة.
الشعور بالذنب
حقيقةً هذا الشعور يأتي في نهاية اليوم. بحيث يكون الشخص المصاب بالجوع العاطفي قد أكل ما أكله بكميات كبيرة جدًا وبعدها يصبح نادمًا وخاصةً مع مرور الوقت لما سيحدث معه من زيادة في الوزن والإفراط به. فضلًا عن ذلك الأمراض المعدية المترتبة على هذا الاضطراب. وكل ذلك بخلاف الجوع الحقيقي، لأن المرء عندها أيًّا كان مستوى وعيه إلا أنه يدرك تمامًا أنّ جسده بحاجة ماسة إلى التنوع الغذائي في وجباته مع كمية مناسبة من الطعام. وذلك كي يبقى محافظًا على رشاقة جسده.
أسباب الجوع العاطفي
يوجد هنالك أسباب عدّة وشائعة للجوع العاطفي، إلا أنها تختلف باختلاف الحالة النفسية لكل إنسان. واختلاف متانة شخصيته وقوته الداخلية. ومع ذلك هنالك أسباب مشتركة ومتشابهة للأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب. ومن أهم هذه الأسباب سنقدّم إليكم ما يلي:
الإجهاد والتوتر
أثبتت الدراسات الطبية أنّ التعب والتوتر والإجهاد يجعلون من الشخص يشعر بالجوع. ويعود السبب في ذلك إنتاج الجسم لمستويات عالية جدًا من هرمون التوتر الذي يثير الكثير من الرغبة لتناول الأطعمة المالحة والحلوة وأي نوع آخر. فهذه الأطعمة تمنح المرء طاقة هائلة تساعده على إتمام يومه كما أنه مخزون غذائي له في المستقبل. ولكن كلما زاد التوتر بطريقةٍ مبالغ فيها وتجاوز الحد الطبيعي ستزداد حتمًا احتمالية هرب الشخص إلى الطعام لأجل الحصول على الراحة العاطفية.
كتمان المشاعر
هنالك بعض الأشخاص يأكلون لأجل كتم مشاعرهم سواء أكانت إيجابية أم سلبية. حيث أنهم بهذا التصرف يقومون بتخدير شعورهم من غضب أو كره أو حتى حب. المهم أن يخدروا أي شعور نابع من داخلهم طالما أنه لا يريحهم. ولهذا يهربون مباشرةً إلى التهام أطعمة مختلفة.
عادات الطفولة
إنّ الأمور النفسية من اضطراباتٍ وعقد غالبًا ما تعود إلى طفولتنا. فمن الممكن أن يكون الشخص كان يُكافئ في أي شيء يفعله بالطعام فقط. أو حتى عندما يحزن ويبكي يقومون الأهل بإطعامه لإسكاته. وهذه السلوكيات كلها تنحفر في لا وعيه وتصبح عادة بالنسبة إليه عندما يكبر.
التأثيرات الاجتماعية
يعتبر اللقاء مع فئة معينة من الأشخاص يفتح الشهية بطريقةٍ مبالغ فيها لتناول وجبات طعام مختلفة نتيجة السعادة الزائدة القابعة بداخل المرء أو لأجل التخفيف من حدية التوتر. لذلك نجد الشخص الواقع في الحب حديثًا يقبل إقبالًا شديدًا على تناول الطعام.
اقرأ أيضاً: مسببات الفراغ العاطفي وكيف تعالجها؟
علاج الجوع العاطفي
علاج الجوع العاطفي من أكثر الأمور الصعبة على المرء وذلك بعد اعتياده على تناول الطعام بإفراطٍ كبير. لكننا سنستعرض لكم أكثر الطرق الفعّالة للحد من هذا الاضطراب. ولهذا اخترنا لكم ما يأتي:
الاحتفاظ بمفكرة طعام
يجب عليكم أن تكتبوا ما تقومون بأكله. والكمية التي تأكلونها مع الوقت. وأيضًا لا تنسوا أن تكتبوا عن ماهية شعوركم قبل الطعام وبعده ومع مرور الوقت ستجدون حتمًا مفارقة ما بين حالتكم المزاجية والطعام.
خففوا من التوتر
لا داعي للعيش باستمرار مع التوتر والمبالغة فيه. يجب عليكم أن تزيدوا من ثقتكم بأنفسكم وتكونوا أصحاب إرادة قوية. ومن الممكن أن يساعدكم على ذلك ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقا أو ممارسة اليوغا.
محاربة الملل
يجب عليكم أن تقوموا بملء أوقاتكم، اشغلوا أنفسكم بالعمل والدراسة وممارسة نشاطاتكم واهتماماتكم، وأكثروا من المشي فهو أيضًا يساعد على تخفيف التوتر، إن تكاسلتم وجلستم دون فعل أي شيء سيتحكم الملل والمشاعر السلبية بكم، لذلك ارفعوا من طاقتكم وانهضوا للحياة.
وفي ختام المقال، إنّ الجوع العاطفي هو حالة تراكمية من المشاعر المكبوتة لذلك ما إن أدركنا كيفية تفريغ هذه المشاعر سنبتعد تلقائيًا عن الطعام، ولكن هذا لا يعني ألا نأكل أبدًا، إنما فقط نصل للحد الطبيعي الذي يساعدنا على أن يرافقنا جسد سليم في رحلة الحياة.