ما هو الأمان العاطفي وما تأثيره على الآخرين؟
يعتبر الشخص الذي يكمن في أعماق روحه زاوية تدعى الأمان العاطفي ويهبها لغيره من أسمى أنواع الشخصيات البشرية لأنه يواري إحدى أهم وألطف مزايا الشخصية الإنسانية المتوازنة والصحية، والتي تكون قادرة على التفاعل مع مواقف الحياة رغم اختلافها وبمنتهى الاستقرار النفسي. وفي هذا المقال سنتوسع أكثر بالحديث عن هذا الجانب استنادًا على نظرة الكاتب فانس باكارد، فتابعوا معنا.
ما هو الأمان العاطفي
هو ذلك الاستقرار الذاتي الذي يجعل الفرد قادرًا على التعامل مع المشاعر السلبية التي تجتاحه في أثناء رحلة حياته. بحيث يكون متحكمًا تمامًا بالاضطرابات الشعورية والنفسية السلبية التي من الممكن أن تصيبه مثل الإحباط واليأس والألم والفقد والفشل والظلم وغيرها من المشاعر والأمور القبيحة. كما أنه من المستحيل أن يسمح لأي شيء أن يتجاوز حدّه الطبيعي ويأخذ من وقت عمره دون فائدة. فهو يعرف تمامًا كيف يعيش حزنه وألمه والوقت الذي عليه أن يهدره لأجل هذا الحزن ومن يستحق أن يحزن عليه. هذا الوعي يخوله ليكون سيدًا للعبة العواطف والمشاعر. فيكون هو المتحكم الأول والأخير بها لا العكس.
الأمان العاطفي ونظرية باكارد
ظهرت نظرية باكارد في منتصف القرن العشرين. حيث كتب الكاتب فانس باكارد ضمن كتابٍ نشره ألّف فيه نظرية تتمحور حول شرح ماهية الأمان العاطفي وكيف أنه أعمق بكثير من حصره ضمن نطاق كلمتين فقط. لأنه يضم خفايا عظيمة قسمها باكارد إلى ثماني حاجات.
وأيضًا أشار من خلال نظريته إلى حاجة البشر كلها لأن تمتع بوجود الأمان العاطفي في أرواحهم لينعكس بطريقةٍ إيجابية على حياتهم. وأكدّ على أنّ هذا النوع من الأمان يمكننا تصنيفه ضمن دائرة كبيرة جدًا من الاحتياجات الأخرى التي تحمل أبعادًا نفسية. ولكنه يكون في مقدمتها، بل وهو العامود الأساسي لها، وخاصةً مع وجود شبكة علاقات متداخلة بين بعضها البعض. ولأجل أن توضح الصورة كاملةً سنقدّم إليكم هذه الاحتياجات الثمانية على النحو التالي:
الأمان العاطفي
كما أسلفنا قبل قليل عن التعريف العام لهذا المصطلح. يمكننا أن نضيف أيضًا أنّ الأمان العاطفي يهب الراحة المطلقة ليس للفرد فقط. بل للأشخاص حوله، حيث أنهم يدركون أنّ هذا الشخص بحالة وعي عالية جدًا. وبالتالي يتعاملون معه بمنتهى الصدق والتجرد والبوح بالحقيقة الكاملة. لأنه تلقائيًا بمجرد الحديث معه سيجعلهم يشعرون بأمانٍ وسلامٍ لا حدود لهما.
الطمأنينة
هذا الشعور مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالأمان العاطفي. بل جزءٌ لا يتجزأ منه، ولا يمكن الفصل بينهما أو إعطاء لكل واحد منهما تعريفًا خاصًا به، جلُّ ما في الأمر أنّ هنالك فاصلٌ صغيرٌ بينهما. ألا وهو أنّ الطمأنينة تكون عميقة أكثر من الأمان العاطفي. ومن الممكن أن تنعكس على الشخص سلبًا إن فقدها، في حين أنّ الأمان العاطفي مستعدٌ دائمًا لأي حدث ولأي شعور.
إرضاء الذات
يعود إرضاء الذات إلى مدى حب الإنسان لنفسه ولأي درجة يتقبلها ويتحمّل كل عيوبها وماهية العمق الذي يكون متصالحًا معها ومع الماضي. كما أنه يستطيع مواجهة أي موقف يحدث معه لأنه يدرك تمامًا ماهية نقاط ضعفه وقوته فعندما يصل لهذه المرحلة سيشعر بسلامٍ داخلي عظيم يخوله أن يكون صاحب شخصية الأمان العاطفي.
الشعور بالقوة
كلما تعزز شعور القوة في داخل الفرد كلما أسرع للوصول إلى القمة المرافقة للأمان العاطفي. ويوجد هنالك طرق عدّة لزيادة قوته الداخلية. وأول طريقة هي أن يحب نفسه كما هي. ويحب الآخرين حوله ويحاول تقديم الدعم لهم. فالتجارب والمغامرات تقوي وتصقل داخله إن تعامل مع نهاية كل تجربة أنها رسالة وجودية لتطوير حياته.
الحاجة إلى الانتماء
يجب على الإنسان أن يحاوط نفسه بالأشخاص الذين يشعر بالانتماء لهم، ويعيش ضمن المكان الذي يعزز هذا الانتماء. سواء أكان انتماءً فكريًا أم عاطفيًا أم أي نوع آخر من الانتماءات، المهم أنَّ الشعور بالانتماء يعطي مجالًا كبيرًا لإظهار الأمان العاطفي في ساحة الوعي. ففي حال تغيّر أي شيء في حياته يعرف أن من حوله لن يتركوه وحيدًا.
نوافذ الإبداع
عندما يصل الإنسان لذروة الأمان العاطفي تنفتح أمامه كل أبواب قصور الإبداع ونوافذ التألق والنجاح. لأنه يصبح يدرك تمامًا ماهية ما يناسبه وما يستطيع فعله. لذلك يصبح الإبداع والابتكار عنده عالٍ جدًا. فضلًا عن ذلك يكون قادرًا على خلق طرق جديدة لإسعاد نفسه حتى في ظلّ ظروفه الصعبة، وبهذه النقطة يلتقي الأمان العاطفي مع الإبداع.
غايات الحب
الإنسان المملوء بالحب من الداخل والمتصالح مع نفسه يستطيع أن يمزج الجنون مع الحكمة في علاقته العاطفية. وكل ذلك يعود لأمانه العاطفي مما ينعكس أيضًا على شريكه مما يسمح لهما أن ينعما بسعادة كبيرة وسلام روحي عميق. وتصبح غاية الفرد تجاه الحب والارتباط بعيدة تمامًا عن المعتقدات السائدة التي تؤدي غالبًا لفشل العلاقة.
تخليد الذكرى
الجزء الأخير للأمان العاطفي عند الكاتب باكارد هو تخليد الذكرى. فالناس عمومًا تهرب من ذكرياتها الماضية بغض النظر عن كونها جميلة ولطيفة أم بشعة ومؤلمة. في حين أنّ الإنسان الذي يمتلك أمانًا عاطفيًا قادرٌ على تذكّر الأحداث التي مرّ بها بسلامٍ داخلي عالٍ دون حدوث أي شعور أو زعزعة نفسية سلبية.
اقرأ أيضاً: كيف أخلي شخص يحبني ويتعلق بي؟ خطوات عملية
حياة صاحب شخصية الأمان العاطفي
يساعد الأمان العاطفي على توفير قدرة جبّارة للإنسان لأجل التحكم الذاتي بأفكاره ومشاعره وطريقة حياته. كما أن هذا النوع من الأمان يجعله قادرًا على ضبط تصرفاته، وتجنب الأخطاء السلوكية التي من الممكن أن يقع بها. وقد اخترنا لكم بعض منها وهي على النحو الآتي:
تصرفات صاحب شخصية الأمان العاطفي
- ضبط ردود الأفعال التي تكون مبالغة بالصدور في المواقف المتوترة والتي تثير القلق.
- الإدراك التام بعدم شخصنة الأمور في حال صدر أي موقف سلبي من قبل الآخرين تجاهه. وبذلك أيضًا يساعد نفسه كي لا تحمل ثقلًا بشعًا.
- عدم الانسياق والخضوع للمزاج الآني الذي يحطم كل الإيجابية القابعة بداخله ويعرك صفوة سلامه.
- الابتعاد عن التفكير المستمر بالمشكلات التافهة والصغيرة ضمن العلاقات.
- يكون بعيدًا تمامًا عن وضع نفسه موضع الضحية المنهزمة والمملوءة بالآلام والكوارث النفسية.
تأثير الأمان العاطفي على الآخرين
لا يمكننا أن ننكر أنّ الأمان العاطفي لا يفيد الشخص بذاته فقط. بل ينعكس شعاعه مباشرةً على الآخرين حوله. ومن أهم التأثيرات التي يمكن أن نلاحظها عليهم. وتخلق عندهم مجموعة خصائص مميزة، وهذه بعضٌ منها: - يصبحون قادرون على التسامح بطريقةٍ لطيفة وعقلانية في آنٍ معًا.
- يبتعدون كلّ الابتعاد عن تصيد أي نوع من الأخطاء والزلات فلا يحكمون على الآخرين، بل يتفهمون الجميع.
- يصبحون قادرون على تقبّل الصفات كلها ويجدون طرق عدّة للتعامل مع كل صفة منها. بل وفي بعض الأحيان حتى وإن كانت سلبية فيتفاعلون معها بطريقةٍ إيجابية مذهلة.
- نجد أنهم مقبلين على المساعدة أكثر من أي وقت مضى وعلى وجه الخصوص في أوقات الأزمات والمصائب.
- يمتلكون قدرة مذهلة بالإقناع والدعم اللفظي والفعلي ويقدمون كل ما يستطيعون فعله لأجل إسعاد الطرف الآخر.
- يحاولون دائمًا التماس الأعذار. ولا يعاتبون على التفاصيل الصغيرة التي لا قيمة لها مقارنة بحرصهم على جوهرة علاقاتهم.
وفي ختام المقال، إنّ الحياة جميلةٌ جدًا بوجود الأمان العاطفي. كما يضفي جوًّا من المحبة والتآلف بين البشر ويعطي طاقةً إيجابية هائلة وضخمة. ويعزز الاستقرار النفسي لمواجهة الحياة بكل ما فيها من عقبات وعثرات وصعوبات. كما أنه يولّد الكثير من الأمور الإيجابية التي تنعكس على الفرد والمجتمع.